كلمة سمو رئيس مجلس الوزراء فـي افـتـتاح المنتدى الاقتصادي و السياسي بين دولة الكويت و دول الإتحاد الأوروبي - بروكسل | ||
18 ديسمبر 2007 | ||
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الحضور
فالمقوم الأول هو الإنسان الكويتي، إذ نشأت الكويت منذ أكثر من ثلاثة قرون على ضفاف ميناء تجاري واحترف أهلها التجارة وصيد اللؤلؤ، وقد وصف المجتمع الكويتي بين أهل المنطقة منذ بداية تكوينه بالتجاري ووصف الكويتيون بصانعي المال، فالكويت تمتلك خبرة عريقةبالتجارة وصناعة المال،وهي خبرة لم تتوقف بعد ظهور النفط بل واكبت كل التطورات العالمية المعاصرة في الاقتصاد العالمي، ولعلني لا أبالغ إذا قلت أن الكويتيين يملكون في داخلهم غريزة تجارية، ولعل هذه الغريزة هي التي تدفع الكويت باستمرارلأن تكون أسبق من غيرها في المنطقة في تبني الأنظمة والهياكل والأساليب المالية والاقتصادية الحديثة، كما أن هذه الغريزة هي التي أكسبت الكويتيين ميزة التواصل بين الشعوب والرغبة في الانفتاح على ثقافاتها، وروح التسامح بينهم ومع غيرهم، وهي التي كرست الميل للاستقرار واحترام القواعد المنظمة للعلاقات، واستطيع القول بثقة أن الإنسان الكويتي بخبرته العريقة وقيمه وصفاته هو الثروة الحقيقية للكويت،وهو الأساس الذي نبني رؤيتنا المستقبلية عليه ،ولذا تحتل خطط التربية والتعليم موضع الصدارة في تفكيرنا، فبناء الإنسان لدينا أهم من تشييد العمران، ونحن نضع سياساتنا التربوية والتعليمية لتلبي حاجات الخطط التنموية في البلاد، ونضع أكثر من مسار تعليمي حتى نضمن أكبر استفادة من الأجيال القادمة ونستثمر كل القدرات الكامنة فيهم، ولذلك فإننا لا نهتم بمخرجات التعليم الأكاديمي فحسب، بل نعطي أهمية كبرى لمخرجات التعليم التطبيقي والتكنولوجي ولمخرجات التدريب. المقوم الثاني هو أرض الكويت، فأرضنا تقع في شمال الخليج وقمته، وهذا الموقع منحها بعدا مهما على كل المستويات،إذ يعتبر أقرب نقطة لساحل البحر الأبيض المتوسط، ويحيط بثلاثة كيانات إقليمية كبيرة، وكانت الكويت المصدر الرئيسي خلال القرون الثلاثة الماضية لتزويد المناطق القريبة بالسلع والمواد الأساسية، ولعل هذا الموقع أغرى بعض الدول في أوائل القرن الماضي لبناء سكة حديد تربط أوروبا بالخليج، وتبدأ ببرلين وتنتهي بالكويت، ونحن بالكويت ندرك تماما أهمية موقعنا وقيمته ، لذلك فإننا نفكر جديا بإحياء الطريق التجاري القديم الذي كان يبدأ من الخليج ويسلك نهر الفرات صعودا إلى سوق دورة قرب أبو كمال بسورية، وتنتقل منها البضائع بالقوافل عبر صحراء الشام إلى تدمر أو غيرها ومنها إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، إننا نفكر بأن نبنى مدينة كبيرة في منطقة الصبية الواقعة في شمال الكويت لتكون مركزا ماليا وتجاريا يخدم المحيط المجاور الذي يمتد إلى ضفاف بحر قزوين وضفاف البحر الأبيض المتوسط، وقد وضعنا مخططاتها وباشرنا في المراحل الأولي للتنفيذ ، وهي من المشاريع الضخمة التي قد يصل الاستثمار فيها إلى ما يزيد عن مائتي مليار دينار، كما سنبني جسرا طوله يزيد عن خمس وثلاثين كيلومترا ويربط مدينة الكويت بتلك المدينة الجديدة، وعلى الضفة المواجهة للمدينة الجديدة سيتم إنشاء ميناء كبير في جزيرة بوبيان لاستقبال الحاويات القادمة من دول وسط آسيا وروسيا وأوروبا التي يتم تصديرها إلى جنوب الأرض، فنحن نفكر جادين بربط الميناء بالخط الحديدي المسمى تراسيكا TRACECA ، والذي يربط دول وسط آسيا ببعضها ويصلها بأوروبا، مما يعطي دول وسط آسيا وشرق أوروبا طريقا مختصرا نحو الجزء الجنوبي من الأرض،وكذلك نفكر جادين بإنشاء ممر يصل الكويت بأحد الموانئ في غزة أو لبنان أو سورية ليربط الخليج العربي بالبحر الأبيض المتوسط، وهو ممر يعيد إحياء الطريق البري التجاري القديم، وسيكون ممرا بريا موازيا لقناة السويس، ويتضمن سكك حديد وطرق سريعة للشاحنات وخطوط أنابيب لنقل النفط وخطوط طيران شحن دورية بين الميناءين، ونأمل بأن يمتد هذا الممر ليصل إلى ميناءي جبل على بدبي وصلالة بعمان ، إن المدينة الجديدة التي أطلقنا عليها مدينة الحرير وميناء بوبيان وممر الكويت الممتد للبحر المتوسط والربط مع مشروع سكة حديد تراسيكا، كل ذلك يمثل مستقبلنا البديل عن النفط، وفي نفس الوقت يقودنا إلى آفاق واسعة في مجالات الاستثمار ويفتح آمالا جديدة للتعاون بيننا وبين شعوب العالم، وإننا قد باشرنا فعلا في وضع التصميمات للمدينة الجديدة وبدأنا بإعداد الدراسات المطلوبة للبدء بالمشروع، كما بدأنا المراحل الأولية من تنفيذ مشروع ميناء بوبيان، وفي نفس الوقت باشرنا منذ عام بإعداد الدراسات المتعلقة بربط الكويت بشبكة من سكك الحديد مع جيرانها. المقوم الثالث هو استقرارنا السياسي ، فنحن شعب مسالم اختار الحوار والتشاور والتفاهم وسيلة له للاتفاق وصنع القرار،وإذا كان أجدادنا الأوائل ساروا على تقاليدهم السياسية الديمقراطية دون اتفاق مكتوب، فإننا حرصنا منذ اللحظة الأولى ونحن نبني الدولة الحديثة أن نجعل تقاليد الآباء مكتوبة في وثيقة دستورية تحظى باحترام الشعب الكويتي قاطبة، وهي وثيقة ضمنت للكويتيين نظاما ديمقراطيا فريدا في المنطقة العربية تحكمه مؤسسات دستورية وليس أشخاصا، وضمنت كذلك فصلا للسلطات مانحة البرلمان سلطات رقابية واسعة على أعمال الحكومة ، كما ضمنت استقلالا للقضاء الكويتي بشكل يمنح رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب اطمئنانا كبيرا، وتتمتع الكويت بديوان محاسبة مستقل يمارس عمله بحماية لا تتوفر إلا للقضاء، كما لدينا حريات صحافية تكاد تضاهي ما هو موجود بالغرب من تعبير أو إصدار صحف أو محطات تلفزيونية، وإضافة لكل هذا فإن لدينا مجتمعا مدنيا ينتج سنويا عدة مؤسسات فاعلة على الساحة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وتمارس تلك المؤسسات دورا فاعلا في صناعة الفكر والرأي، ونعتقد بأن هذه البيئة الديمقراطية توفر للكويت بيئة تشريعية مستقرة تتحكم فيها المؤسسات و ليس الأفراد، وهو ما يحتاجه أي مستثمر أجنبي لحماية استثماراته من التغيرات الطارئة أو المزاجية، كما أنني باشرت منذ تسلمي مقاليد منصبي لتكريس مقومات الحكم الرشيد، إذ قمت بعدة زيارات لديوان المحاسبة مطالبا إياه بتوسعة دوره لإحكام الرقابة على مصروفات الحكومة ومراقبة حالة الشفافية والنزاهة في أعمالها، كما وقعنا اتفاقا مع البنك الدولي لمراجعة التشريعات الكويتية وفحصها لمعرفة مدى ضمان الشفافية فيها، ولمساعدتنا في إنشاء هيئة حكومية تتصدى لكافة أشكال الفساد وفق ما طالبت به اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، ودعمنا إنشاء منظمة أهلية لمحاربة الفساد، ويسعدني أن أقول أن الكويت سبقت كثيرا من دول العالم في سن قانون لحماية المال العام منذ مطلع التسعينات، وهو من القوانين المكرسة لمبدأ الشفافية ومحاربة الفساد، وعلى بند أولويات الفصل التشريعي الحالي للبرلمان تشريعات كثيرة هدفها تحرير الاقتصاد من هيمنة القطاع العام وتشجيع المستثمر الأجنبي ومنحه تسهيلات ضريبية وتكريس الشفافية وغيرها من مشاريع قانونية، إن الاستقرار السياسي الذي تتمتع به الكويت، ومناخها الديمقراطي المميز، وبيئتها التشريعية الخاضعة لمؤسساتها الدستورية، كل ذلك ميزة فريدة لا تتمتع بها إلا الكويت في تلك المنطقة من العالم. المقوم الرابع ثرواتنا الطبيعية والمالية، فالكويت تملك رصيدا ضخما من احتياطات النفط المؤكدة، إضافة إلى أنها تملك مخزونا كبيرا من النفط يمكن تطويره ليزيد كميات الاحتياطي المؤكد ويزيد من عمر الإنتاج، وتشير معظم الدراسات أن الكويت ستظل تنتج نفطا عندما تنفذ احتياطاتكثير من الدول النفطية، ورغم أننا نعتقد أن الطلب على النفط سوف يتزايد في العقود القادمة، وأن العرض قد لا يلبي كل حاجة السوق، إلا أننا نعتقد أن هناك مسؤولية حضارية تقع على الدول المنتجة لتوفير أكبر قدر من الطلب على النفط، فنحن قررنا رفع السعة الإنتاجية إلى الضعف تقريبا لمواجهة زيادة الطلب في المستقبل، كما نسعى إلى تطوير موانئنا حتى نكثف من عمليات التصدير، ولا يخفى عليكم أن فكرة الممر البري الذي يربط الخليج بالبحر الأبيض المتوسط تضمنت خط أنابيب لنقل نفط الكويت والعراق إلى أوروبا، فالنفط الخليجي يكاد يكون محصورا في بحيرة لها مخرج واحد هو مضيق هرمز، مما يهدد عمليات تصدير النفط لأي طارئ يغلق المضيق، فالبحث عن نقاط تصدير خارج الخليج هو موضع اهتمامنا لأننا نؤمن بأن النفط أو غيره من المواد الأساسية للعيش يجب ألا تستخدم كسلاح في الخلافات السياسية والحروب. السادة الحضور أيها الحضور الكريم وشعورا منا بالمسؤولية الدولية تجاه مشاكل الفقر قامت الكويت منذ عهد مبكر بإنشاء صندوق الكويت للتنمية الذي ساهم على مدى عقود في دعم مشاريع التنمية في كثير من العالم، في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا، ومازال هذا الصندوق يقوم بدوره بشكل ملحوظ وناجح. أيها الحضور الكريم مع خالص شكري وتقديري لإصغائكم. |
||
اطبع هذه الصفحة |